كرامة الزواج والعائلة


الزواج والعيلة في عالم اليوم

47- إن صحة الشخص والمجتمع البشري والمسيحي لَمُرتبطة إرتباطاً وثيقاً بازدهار الجماعة الزوجية والعيلية. فالمسيحيون، باتحادهم مع جميع الذين يجلّون هذه الجماعة، يغتبطون بإخلاص للمساندات المختلفة التي تَرفَع اليوم بين الناس إعتبارهذه الجماعة، جماعة الحب، وإحترام الحياة، وتساعد الأزواج والوالدين في رسالتهم السامية. علاوةً على ذلك، فهم ينتظرون منها بعدُ نتائجَ أحسن ويعملون على نشرها.
ومع ذلك فكرامة هذه المؤسسة لا تَسطعُ في كل مكان بالضياء نفسه، لأن الشعوب يعتريها من جراءِ تعدد الزوجات ووباءِ الطلاق ومما يسمونه بالحب الحر، ومن سائر الإنحرافات. أضف إلى ذلك أن الحب الزوجي غالباً ما تنتهكه الأنانية واللذة والعادات غير المشروعة التي تحول دون الولادة. كما أن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والنفسية والمدنية المنتشرة اليوم أدخلت أيضاً على العائلة تشويشاتٍ خطيرة. ونراقب أخيراً، دون أن نتمالك عن الهلع، المشاكل التي يطرحها نمو عدد السكان في بعض مناطق هذا الكون. كل ذلك يثير القلق في الضمائر. غير أن هناك ظاهرةً تُظهر بوضوح صلابة المؤسسة الزوجية والعيلية وقوتها: فالتحويلات الجذرية التي تطرأ على المجتمع المعاصر، بالرغم مما تخلق من صعوبات، غالباً ما تعمل وبأنواعٍ شتى على إظهار طبيعة هذه المؤسسة على حقيقتها.
لذلك يتوخى المجمع، إذ يوضح بعضَ نقاط تعليم الكنيسة، أن ينير ويشجع المسيحيين وكل أولئك الذين يحاولون أن يحافظوا على كرامة الحالة الزوجية الأصيلة وعلى قيمتها المقدسة المميزة ويعملون على إعلاء شأنها.

قداسة الزواج والعيلة

48- لقد أسس الخالق وجهز بشرائعَ خاصة تلك الشركة العميقة في الحب والحياة التي يؤلفها الزوجان: إنها تقوم على إتفاق القرينين أي على رضاهما الشخصي الذي لا يُنقَض. إنها لمؤسسة تثبتها الشريعة الإلهية وتنبثق، في نظر المجتمع نفسِه، من العمل البشري الذي به يعطي كل من الزوجين ذاته للآخر ويقبل الآخر. ولا يخضع هذا الرباط المقدس لهوى الإنسان، بغية خير الزوجين والأولاد والمجتمع أيضاً. فالله نفسُه واضعُ الزواج (105). وللزواج قيمٌ خاصة وغايات متنوعة: إن كل هذا بمنتهى الأهمية، بالنسبة إلى دوام الجنس البشري والتقدم الذاتي والمصير الأبدي لكل عضو من أعضاء العيلة، ولكرامة وإستقرار وسلام وإزدهار هذه العيلة والمجتمع الإنساني بكامله. والغاية من تأسيس الزواج والحب الزوجي، في طبيعتهما، إنجاب البنين وتربيتهم. وهذان يتوِّجان الحبَ والزواج كما تتوِّج القمة الجبل. فالرجل والمرأة أصبحا بعقد الزواج جسداً واحداً لا إثنين (متى 19 / 6) ليتعاضدا هكذا ويساعد أحدهما الآخر باتحادِ شخصيتهما وأعمالهما إتحاداً وثيقاً. إنهما يُدركان من خلال ذلك وحدتَهما ويعملان دائماً على ترسيخها وتعميقها. إن هذا الإتحادَ الوثيق، وهو عطاء متبادل بين شخصين، وخير الأولاد (106)، يتطلبان أمانة الزوجين المطلقة ويقضيان بوحدة لا تنحل.
لقد غمرَ السيد المسيح بالبركات هذا الحب المتعددَ المظاهر، الصادرَ عن ينبوعِ المحبة الإلهية جاعلاً إياه صورة لإتحاده بالكنيسة. وكما أن الله هو الذي بادر في القديم، وقطع عهدَ حبٍ وأمانة مع شعبه (107)، هكذا يتقدم اليوم مخلص البشر وعروس الكنيسة لملاقاة الأزواج المسيحيين في سر الزواج (108). إنه يبقى ويَثـْبُت معهم ليستطيعَ الزوجان بعطائهما المتبادل أن يحب واحدَهما الآخر بأمانةٍ ثابتة، كما هو نفسه أحبَّ الكنيسة وبذل ذاته لأجلها (109). إن حبَّ الله يرفع الحبَّ الزوجي الحقيقي، كما أن المسيح بقوةِ الفداء والكنيسة بعملها الخلاصي يوجهانه ويوفران غناه حتى يقودَ الزوجين عملياً إلى الله وحتى يساعدهما ويثبتهما في رسالتهما السامية كأب وأم (110). ولكي يقوم الزوجان المسيحيان بواجبات حالتهما كما ينبغي، يعطيان القوة وكأن بهما يتكرّسان بسرٍ خاص. وإنّهما إذْ يتممان رسالتَهما (111) الزوجية والعيلية بقوة هذا السر، مرتويين من روح المسيح الذي ينعش كلَّ حياتِهما بالإيمان والحب والرجاء، يبلغان أكثر فأكثر كمالَهما الشخصي وقداستهما المتبادلة: وهكذا يساهمان معاً في تمجيد الله.
إن الأولاد وجميع الذين يعيشون في الإطار العائلي، يكتسبون بسهولة متزايدة عواطفَ إنسانية، وبالسهولة عينها يجدون طريق الخلاص والقداسة إذ يسير أمامهم مَثَل والديهم وصلاتهم المشتركة. أما الأزواج الذين زاد من عظمتهم دورهم كأب وأم، فليقدموا حسب ضميرهم بواجب التربية وخاصة التربية الدينية لأن الحق فيها يعود لهم أولاً.
وبما أن الأولاد أعضاء حية في العائلة، يساهمون على طريقتهم في تقديس والديهم. وإنهم بإقرارهم بالجميل وبحبهم البنوي وبثقتهم باهلهم الذين أحسنوا إليهم يتجاوبون دون شك معهم فيساعدونهم كأبناءَ صالحين في صعوبات الحياة وفي عزلة الشيخوخة. وإذا ما أحتُملَ الترمل بشجاعة وفقاً للدعوة الزوجية يصبح محترماً لدى الجميع (112). كما أن العائلات ستتبادل أيضاً كنوزها الروحية. وحينئذ بما أن العيلة المسيحية تنبثق من الزواج، الذي هو صورة لعهدِ الحب الذي يجمع بين المسيح والكنيسة وإشتراكٍ فيه (113)، تُظهِر هذه العيلة لجميع الناس حضورَ المسيح الحي في العالم وطبيعة الكنيسة الحقة، سواءً كان بحب الزوجين أو بخصبهما المعطاء أو بوحدة العيلة وأمانتها وبالتعاون الودي بين جميع أعضائها.

الحب الزوجي

49- دعا كلام الله المخطوبين مرات متعددة ليعتنوا بخطبتهم، وينعشوها بحبٍ عفيف، ودعا المتزوجين ليحافظوا على اتحادهم بحبٍ لا نقص فيه (114). فالكثيرون من معاصرينا يعظمون أيضاً الحب الحقيقي بين الرجل والمرأة الذي يَظهر بأشكالٍ متنوعة وفقاً للعصور ولعاداتِ الشعوب الصحيحة، وإن هذا الحب لأنساني إلى منتهى الحدود إذ يصدر عن شخص نحو شخصٍ آخر بقوة العاطفة والإرادة ويتناول خير الإنسان بكامله. ولذلك كان بإمكانه أن يضفي كرامة خاصة على تعابير الجسد والحياة النفسية، فيجعلها ذا قيمة، لأنها العناصر والعلامات الخاصة بالصداقة الزوجية، لقد تعطف الرب ومنح نعمتَه ومحبته هذا الحب فشفاه وكمله ورفعه. وإن حباً كهذا، يجمع بين البشريات والألهيات يقود المتزوجين إلى أن يعطي الواحد ذاته الآخر عطاء حراً، يظهر بعواطفَ وحركاتٍ رقيقة، فترتوي منه حياتهم كلها (115). أضف إلى ذلك أنه هو يكتمل ويتعاظم من جراء ممارسته السخية. وإنه ليتخطى إذاً ما مارسه الزوجان لأجل الشهوة فقط يتلاشى سريعاً وبصورة تستدعي الشفقة.

لهذه المحبة طريقةً خاصة للتعبير: إنها تتم بعمل الزواج الخاص. وبالتالي إن الأعمال التي تحقق إتحاداً حميماً عفيفاً، هي أعمال كريمة لا عيب فيها. وإذا تممها الزوجان بطريقة تليق حقاً بالإنسان، فهي ترمز إلى عطائهما المتبادل وتدعمه، فيزداد غناهما الشخصي بالشكر والفرح. إن هذا الحبَّ الذي يقبل به الزوجان بتعهدهما المتبادل ويتكرس فوق كل شيء بسر المسيح، يبقى أميناً وغير قابل للانفصام فكراً وجسداً في السرّاء والضرّاء. إنه لَيَنبذ إذاً كل زنى وكل طلاق. كما أن المساواة في الكرامة الشخصية التي يجب أن يُعترف بها للمرأة والرجل في الحب الكامل الذي يكنه الواحد للآخر، تبين بوضوح وحدة الزواج التي أثبتها السيد المسيح. ولمواجهة الزامات هذه الدعوة المسيحية بمثابرة، كان لا بد من فضيلةٍ خارقة ولهذا السبب لا ينفك الزوجان اللذان أهّلتهما النعمة ليعيشا حياة مقدسة، يغذيان فيهما حباً قوياً، شهماً، سريعاً إلى التضحية ويطلبان دائماً هذا الحب في صلواتهما.
غير أن الحب الزوجي الحقيقي يُقدرُ تقديراً أعظم، ويتكون رأي عام صحيح بصدده إذا أدىّ الأزواج المسيحيون في هذا المجال شهادةً سامية في الأمانة والإنسجام وفي تفانيهم في تربية الأبناء، وإذا تحملوا مسؤلياتهم في التجديد الضروري الذي يهدف الزواج والعيلة، ويتناول الحقل الثقافي والنفسي والإجتماعي. وإنه لَمِن الواجب أن يتثقف الشباب في الوقت الملائم وبطريقة مناسبة- ومن الأفضل ضمن العيلة- في كرامة الحب الزوجي ومهمتِه وممارستِه: فيستطيعون هكذا عندما يحين الوقت وبعد أن يكونوا قد تدربوا على العفة، أن يتزوجوا بعد خطبة يعيشونها في الكرامة.

خصب الزواج

50- إن الزواج والحب الزوجي موجهان بطبيعتهما لأنجاب البنين وتربيتهم. فالأبناءُ هم عطيةُ الزواج السامية، وهم يسهمون كثيراً في خير الآباء أنفسهم. فالله ذاته الذي قال: "إنه لا يحسن بالإنسان أن يبقى وحيداً" (تك 2 / 18) و "صنع الكائن البشري، منذ الابتداء، ذكراً وانثى" (متى 19 / 4) أراد أن يشركه بنوعٍ خاص في عمله الخلاّق؛ ولقد بارك الرجل والمرأة قائلاً لهما: "إنميا واكثرا" (تك 1 / 28) ولذا فالحب الزوجي الحقيقي المفهوم تمام الفهم، وكل تركيب الحياة العيلية الناتجة عنه، يميلان، دون أن يزدريا مع ذلك غايات الزواج الأخرى، إلى أن يجعلا الزوجين مستعدين ليساهما بشجاعة في حب الخالق والفادي، الذي يريد بواسطتهما أن تكبرَ دائماً عائلتَه بالذات وتزداد غنىً.
إن الأزواجَ يعرفون بأنهم المساهمون في حب الله الخالق والمترجمون عنه، عندما يقومون بواجبهم المُلقى على عاتقهم في نقل الحياة وتربية البنين. وهذا ما يجب اعتباره كرسالتهم الخاصة. فليضطلعوا إذاً بمهمتهم بملء المسؤولية الإنسانية والمسيحية، وليتدربوا على الرأي السديد بالإحترام المشبع من الخضوع لله تعإلى، وبالوفاق والمجهود المشترك: آخذين معا بعين الإعتبار خيرهم وخيرَ بنيهم الذين ولِدوا أو سوف يولَدون؛ وليميزوا أيضاً أوضاع عصرهم وحالتهم المادية والروحية؛ وليحسبوا أخيراً حساباً لخير الجماعة العيلية ولحاجات المجتمع الزمني والكنيسة نفسِها. إن على الأزواج أنفسهم أن يتمسكوا بهذا الرأي أمام الله. وليعلموا أنه لا يمكنهم أن يتصرفوا، في حياتهم، كما يحلو لهم، بل يُفرَض عليهم أن يتبعوا دائماً ضميرَهم، ذلك الضمير الذي يجب أن يطابق شريعة الله؛ وليظلوا خاضعين لسلطة الكنيسة التعليمية، التي يحق لها أن تشرح هذه الشريعة على نور الإنجيل. فالشريعة الإلهية هذه تُظهر المعنى الكامل للحب الزوجي، وتحافظ عليه وتبلغ به إلى الكمال الإنساني الحق. وهكذا، عندما يَكِلُ الأزواج المسيحيون أمرَهم لعنايةِ الله ويغذون فيهم روح التضحية (116)، يتحملون عندئذ دورهم الإنجابي، ويقومون بكل سخاءٍ بمسؤولياتهم البشرية والمسيحية فيمجدون الخالق ويتجهون في المسيح نحو الكمال. ومن بين هؤلاء الذين يتحملون على هذا الشكل المسؤولية التي وكّلها الله إليهم، يلزمنا أن نذكر بنوع خاص، أولئك الذين بالإتفاق المتبادل وبطريقة مدروسة، يقبلون بقلب واسع أن يربوا كما يليق عدداً أكبر من الأولاد (117).

غير أن الزواج لم يؤسَس لإنجاب البنين فقط، إنما تقضي طبيعة العهد غيرَ المنحّل، القائم بالزواج كما يقضي خير البنين أيضاً بأن يكون الحب المتبادل معبَّراً عنه بالإستقامة فيتقدم ويزدهر. ولذلك حتى وإن لم يُرزق الزوجان أولاداً، رغم رغبتهم الشديدة فيهم، يبقى الزواج تعاوناً وإتحاداً يشمل الحياة كلَها ويحتفظ بقيمته وعدمِ إنفصامه.

الحب الزوجي وإحترام الحياة البشرية

51- لا يجهل المجمع أن الأزواج، الذين يريدون أن يحيوا حياة زوجية متناغمة، غالباً ما تعترضهم في عصرنا بعض ظروف الحياة فيجدون ذواتِهم في حالة لا يتمكنون معها، أقله إلى حين، من أن يزيدوا عدد أولادهم؛ وحينئذ تصعب المحافظة على ممارسة الحب بأمانة وعلى الحياة المشتركة الكاملة. وحيث تنقطع الحياة الزوجية الحميمة، تتعرضُ الأمانةُ للأخطار كما يتعرض خير البنين للتهلكة: ففي هذه الحالة، يحدِّق الخطر بتربية الأولاد وتنقص الشجاعة الضرورية لقبول أولاد آخرين فيما بعد.
ومنهم من يجرؤون على تقديم الحلول الفاسدة لهذه المشاكل، حتى أنهم لا يترددون أمام القتل. لكن الكنيسة تذكّر أنه ما من تناقض حق، بين الشرائع الإلهية التي تسود إعطاء الحياة، وبين الشرائع التي تشجع الحب الزوجي الحقيقي.

فالله، سيدُ الحياة، عَهِد إلى البشر بخدمة الحياة الشريفة، على أن يضطلع الإنسان بها بطريقةٍ تليق به. فتجب إذاً المحافظة على الحياة منذ الحبل وبعنايةٍ قصوى: فالإجهاضُ وقتلُ الأجنّة جرائمَ فظيعة. إن الطاقة الجنسية التي يتميز بها الإنسان والقوة البشرية على الولادة، تجعلانه يفوق إلى حدّ بعيد كل طبقات الحياة السفلى. ينتج عن ذلك أن الأفعال الخاصة بالحياة الزوجية، إذا تُممت وفقاً للكرامة الإنسانية الحقيقية، يجب أن تحاط هي أيضاً باحترام كبير. وعندما يتعلق الأمر بالتوفيق بين الحب الزوجي، وإعطاءِ الحياة بكامل المسؤولية، فآداب التصرفات لا ترتبط بإخلاص النية فقط، ولا بتقدير الدوافع، بل يجب أن تحدد وفقاً لمقاييسَ موضوعية، تستمد من طبيعة الشخص ذاته ومن أعماله، مقاييسَ تُحترَم، في إطار من الحب الحقيقي، المعنى الكلي للعطاء المتبادل ولتناسل على مستوى الإنسان. وهذا لَمستحيل إن لم تُمارس فضيلة العفة بقلبٍ مستقيم. وفي ما يختص بتنظيم النسل، لا يسمح لأبناء الكنيسة الأوفياء لهذه المبادىء، أن يسلكوا طرقاً تتنكر لها سلطة الكنيسة التعليمية في شرحها للشريعة الإلهية (118).
ومن جهة أخرى، فليعلم الجميع صراحة أن الحياة البشرية ومهمة إعطائها، لا تنحصران في آفاق هذا العالم، كما أنهما لا تجدان فيه أبعادهما الكاملة ولا معناهُما الكامل؛ إنما يجب أن نربطَهُما بمصير البشر الأبدي.

تقييم الزواج والعائلة منوط بالجميع

52- إن العائلة هي، نوعاً ما، لمدرسة غنى إنساني. ولكي تستطيع أن تبلغ كمالَ حياتها ورسالتها، تقضي باتحاد النفوس إتحاداً مطبوعاً بالحب وبوضع الزوجين أفكارَهما تحت تصرف بعضهما، وبتعاون الوالدين تعاوناً واعياً في تربية الأبناء.

إن حضور الآب حضوراً فعالاً له أهمية بالغة التنشئة؛ كما أنه من اللازم أن يوفر للأم بأن تعتني بعيلتها دون أن يهمل مع ذلك تقدم المرأة الإجتماعية المشروع. لأن الأولاد، وخاصة الأحداث، هم بأشد الحاجة إليها. فليتربَّ الأولاد بطريقةٍ يستطيعون معها، متى أصبحوا بالغين وواعين تماماً مسؤولياتهم، أن يتبعوا دعوتَهم بما فيها الدعوة الدينية، ويختاروا نمط حياتهم. ولكي يستطيعوا، إذا تزوجوا، أن يؤسسوا عائلتَهم بالذات ضمنَ أوضاعٍ أدبيةٍ وإجتماعية وإقتصادية مؤاتية. إن الحق يعود للوالدين أو الأوصياء في إرشاد الشبان بنصائحَ حكيمة، عندما يريدون تأسيس عائلة؛ وإن الشبان ليصغون إليهم بارتياح، شرط أن يسهروا على ألاّ يضغطوا عليهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، تدفعهم إلى الزواج وإختيار رفيق حياتهم.
وهكذا تكون العائلة أساس المجتمع، لأنها المكان الذي تجتمع فيه عدة أجيال، يتعاونون ليكسبوا حكمةً أوسع، فتتناغم حقوقُ الأشخاص مع سائر متطلبات الحياة الإجتماعية. ولهذا السبب، إنه من واجب كلِّ الذين لهم تأثير على الجماعات أو فئات المجتمع، أن يجتهدوا بطريقةٍ فعّالة لتقييم الزواج والعائلة. ولتعتبر السلطة المدنية أنه لَواجبٌ مقدسُ الأقرار بطبيعتهما الحقة، وحمايتهما، وتقدمهما، والدفاع عن الآداب العامة والتشجيع على ازدهار العائلات. إنه من الواجب أن يضمن للآباء الحق في إيلاد البنين والحق في تربيتهم ضمن العائلة. وإنه ليجب أن يحافظَ أيضاً التشريع البعيد النظر والمبادرات المختلفة على أولئك الذين حُرِموا لسوء الحظ من العائلة، ويوفر لهم العون اللازم.
على المسيحيين أن يستغلوا الوقت الحاضر (119)، ويميزوا ما هو أبدي مما يتغير فيعملوا على تقييم الزواج والعيلة. ويقومون بذلك إذ يؤدون الشهادة بحياتهم الشخصية، ويعملون باتفاق مع كل الناس ذوي الإرادة الصالحة. وهكذا تبتعد الصعوبات فيقومون بسد حاجات العيلة، ويوفرون لها المنافع التي تليق بالأزمنة الجديدة. ولبلوغ هذه الغاية سوف يكون حسُّ المؤمنين المسيحي وضمير الناس الأدبي المستقيم وحكمة الذين ينكبّون على العلوم المقدسة وكفاءتهم، سيكون كل ذلك عوناً كبيراً.

إن الإختصاصيين في العلوم، لا سيما العلوم الحياتية والطبية والإجتماعية والنفسانية، يستطيعون أن يعملوا كثيراً في سبيل الزواج والعيلة وسلام الضمائر، إذا إجتهدوا في توضيحٍ أكبر لمختلفِ الأوضاع التي تساعد على تنظيم النسل البشري تنظيماً صحيحاً، وذلك عندما تتقارب دروسهم في نتائجها.
إنه لمن إختصاص الكهنة، الذين اطلعوا اطلاعاً وافياً على الشؤون العائلية، أن يعضدوا دعوة الأزواج في حياتهم الزوجية والعيلية بمختلف الوسائل الرعوية، بالتبشير بكلام الله، وبالعبادة الطقسية أو بسائر المعونات الروحية. عليهم أن يقووّهم بلطف وصبر في صعوباتهم، وأن يشددوا عزائمهم بمحبةٍ حتى ينشِئوا عائلاتٍ يشع حقاً منها النور.
ولْتجتهدْ الحركات المختلفة، خاصة المنظمات العيلية، بالتعليم والعمل، في تثبيت الشبان والأزواج، لا سيما المتزوجين حديثاً، وأن ينشئوهم على الحياة العيلية والإجتماعية والرسولية.
وأخيراً فليتحد الأزواج أنفسهم بالحب عينه وبالتفكير عينه وبالقداسة المتبادلة (120)، هم الذين خُلقوا على صورة الإله الحي وأقيموا في نظام أشخاص أصيل. فيصبحوا على غرار المسيح، مبدأ الحياة (121)، ومن خلال أفراح دعوتهم وتضحياتها بالأمانة لحبهم، شهوداً لسر المحبة الذي كشف عنه السيد المسيح للعالم بموته وقيامته (122).

 

أبرشية بيروت المارونية
لجنة العائلة

مع محبتي وصلاتي
الخوري طانيوس خليل

****************************
105- القديس أوغسطينوس: "في خير الزواج" أ.ك.ر. 22 (1930) ص 546 – 546 ،
          دنتسنغر 2227 – 2238 (3703 – 3714).
106- بيوس 11ً، رسالة عامة "الزواج الطاهر": أعمال الكرسي الرسولي 22 (1930)
         ص 546 – 547، دنتسنغر 2231 (3706).
107- هو 2 ؛ ار 3 / 6 - 13 ؛ اش 54
108- متّى 9 / 15 ؛ مر 2 /19 – 21 ؛ لو 34 – 35 ؛ يو 3 / 29 ؛
         2 كور 11 / 2 ؛ اف 5 / 27 ؛ رؤ 19 / 7-8 ؛ 21 / 2 و 9
109- أف 5 / 25
110- م.ف. 2 : دستور عقائدي في الكنيسة، الأرقام 11 ، 35 ، 41
111- بيوس 11ً : الرسالة "في الزواج الطاهر" أ.ك.ر. 22 (1930) ص 583
112- 1 تيم 5 / 3
113- أف 5 / 32
114- تك 2 / 22 – 24 ؛ أم 5 / 18 – 20 ؛ 31 / 10 – 31 ؛ طو 8 / 4 – 8 ؛
         نش 1 / 1 – 3 ؛ 2 / 6 ؛ 7 / 8 – 11 ؛ 1 كور 7 / 3 – 6 ؛ اف 5 / 25 – 33
115- بيوس 11ً : الرسالة "الزواج الطاهر" : أ.ك.ر. 22 (1930) ص 547 و 548 ،
         دنتسنغر 2232 (3707).
116- 1 كور 7 / 5
117- بيوس 12ً : الخطاب "في أثناء الزّيارات" – في 20 كانون الثاني 1958 :
         أ.ك.ر. 50 (1958) ص 91
118- بيوس 11ً : "الزواج الطاهر" : أ.ك.ر. 22 (1930) ص 559 – 561 ؛
          دنتسنغر 2239 – 2241 (3816 – 3818). – بيوس 12ً : الخطاب الموجّه إلى
         هيئة الممرّضات الإيطالية، 29 تشرين الأول 1951 : 23 حزيران 1964 :
         أ.ك.ر. 56 (1964) ص 581 – 589 ، إنّ هنالك بعضاً من القضايا يحتاج إلى بحوث
        أشدّ عمقاً، وقد أوكلت معالجته، بأمر من الحبر الأعظم، إلى لجنة الدراسات المتعلّقة بالسّكان
        والأسرة والمواليد، حتّى إذا أتمّت عملها، يستطيع الحبر الأعظم أن يصدر حكمه في شأنها.
        وهكذا يبقى تعليم السلطة التعليميّة على حاله، ولا ينوي المجمع المقدّس عرض حلول مباشرة
        وعمليّة.
119- أف 5 / 16 ، كول 4 / 5
120- كتاب توزيع الأسرار الغريغوري. – أ.ك.ل. 78 / 262
121- روم 5 / 15 و 18 6 / 5 – 11 ، غلا 2 / 20
122- العرض التمهيدي لهذا الدستور – الأرقام 4 – 10