تاريخ رعية مار يوسف للاتين - حيفا

  • الدير في حيفا ( 1767-1950 )
  • زيارة كازيني
  • الرعية الحالية

    الدير في حيفا ( 1767-1950 )

    في سنة 1767 ، أمر ظاهر العمر، والي عكا في تلك الحقبة، الرهبان الكرمليين الحفاة المقيمين في دير الأخ بروسبير، أن يهدموا بيتهم ويبنوا بدلاً منه بيتاً آخر في موقع آخر، فوقع الاختيار على الموقع المعروف اليوم بكنيسة ستيلا ماريس .

    ولتنفيذ هذه المشروع أرسل رئيس الرهبانية ميشال للقديس لورنس، الأخ يوحنا المعمدان للقديس ألكسيس، مهندساً معمارياً للدير الجديد الذي سيقام على جبل الكرمل. كانت المشكلة التي واجهت الأخ يوحنا هي كيفية إيجاد السبيل لإيجاد مكان سكن جديد للإخوة حتى يكتمل بيتهم، فتبرع مسيحيون محليون بقطعة أرض لهذا الهدف.

    وعندما استدعي الأخ يوحنا المعمدان للقديس ألكسيس إلى إيطاليا في سنة 1774 دوّن في مذكراته التي كتبها بعد عودته إلى إيطاليا: " قدّم لنا مسيحيو المدينة المجاورة لمدينة حيفا، موقعاً كبيراً بالقرب من كنيستهم ، صممنا أن نقيم بيتاً صغيراً يشمل غرفة رئيسية ، غرفة أصغر، كنيسة صغيرة ، مطبخاً ، قبواً ، إسطبلاً صغيراً وساحة صغيرة مزودة ببئر ضمن مقاييس المبنى. أتممنا المشروع بمساعدة بنّاء متمرس، بعض العمال و نحن". ومع مر الزمن أصبح هذا البيت الذي بني بواسطة الأخ يوحنا المعمدان والكنيسة الصغيرة والأبنية المجاورة مركزاً لرعاية الكرمليين في حيفا .

    وعن الإنجازات المؤثرة لبناء الدير جاء في مذكرات الأخ يوحنا المعمدان:"قد أتممنا بناء الكنيسة الذي جاء متناسقاً وبدقة متناهية مع بناية الدير. في البداية كان البيت صغيراً، ثم توسعنا في القرية المحلية تاركين هناك الممتلكات مثل: الثيران، الماعز، ثلاثة بغال كنا بواسطتها وبمساعدة رجال محليين، نشغل طاحوناً صغيراً في بيتنا".

    وفي العام 1799، وفي أثناء فك الحصار عن مدينة عكا من قِبَل نابليون بسبب انتشار الأوبئة والأمراض لدى جنوده، قام الأتراك بمهاجمة دير الكرمليين وتدميره، مما اضطر معظم الكرمليين إلى مغادرة البلاد متجهين إلى أوروبا خوفاً من انتقام المسلمين، بينما اتجه النائب فانسون للقديس لورنس إلى مدينة الناصرة وتوفي هناك .

    الأخ يوليوس للمخلص

    بعد أن اختفى وجود الكرمليين في الأراضي المقدسة بين السنوات 1799 –1803، وصل في صيف 1803 إلى مدينة حيفا قادماً من مالطا نائب جديد واسمه يوليوس للمخلص ، مرسلاً من قبل رئيس الرهبنة بيتر الكسندر للقديسة مارجريت، خوفاً من أن يتولى الأتراك أو اليونانيين على أملاك الكرمليين في أثناء غيابهم . وعندما وصل الأخ يوليوس إلى الدير تبين له أنه غير صالح للسكن، لذا أقام في دير حيفا وكان يزور الدير المجاور مرة في الشهر للاحتفال بالقداس الإلهي هناك.

    وخلال إقامته كان يرسل الأخ يوليوس بتقاريره عن الوضع في المدينة وعلى جبل الكرمل ، إلا أنه مرّت سنتان دون أن يستلم أي رد على تقاريره . ريما كان الأتراك أو اليونانيون يحتجزون هذه التقارير ويمنعون وصولها حيث كانوا معادين لوجوده هناك .

    أما الرسالة الأولى التي نجحت بالوصول إلى رئيس الرهبنة، فكانت مرسلة من مدينة عكا، ولا تزال محفوظة في أرشيف الكرمليين في روما، الموقعة بتاريخ 27 حزيران 1805، والتي وصفاً حياً الظروف القاسية التي كان يعيشها الأخ يوليوس:" إني متعب من الكتابة دون فائدة أو تعزية من استلام أي رد . لا أعرف ماذا علي أن أفعل. أشعر بأني مخذول من قِبَل الجميع، ليس لي من أحد أتوجه إليه، لقد غادرت روما منذ سنتين، والمبلغ القليل الذي منحتموني إياه قد نفذ، فقد صرفته في أثناء الرحلة وعلى الطعام . لست أملك أي مبلغ الآن. لعل الله يلهمني الصبر لأني قد عانيت الكثير في الماضي ولا أزال أعاني حتى الآن".

    "أود أن أعلمكم، أنه كان عليّ أن أبذل مجهوداً شاقاً كي أسترجع ملكنا على جبل الكرمل، لأنه على أثر هجرتنا للموقع، رفضت الحكومة التركية أن تسمح لي باسترجاع ما كان لنا منذ زمن طويل . ولو لم أصل في هذا الوقت المناسب لكنا قد خسرنا حقوقنا على جبل الكرمل، ولكان من المخجل أن نخسر حق الملكية الذي نتمتع به في الوقت الحاضر".

    وفي تقرير للكونت مرسيلوس، أحد زائري الأراضي المقدسة والذي كان قد قابل الأخ يوليوس خلال زيارته تلك تطرق إلى الظروف المعيشية التي يعاني منها ذلك الراهب الكرملي، فكتب ما يلي:" لقد عدت إلى حيفا حيث قدم لنا الأخ الإيطالي في بيته الخيار والأرز ونبيذ من بيت لحم، والذي بدا لي ممتازاً . إنه ناسك كرملي فقير استلم من رؤسائه في روما مهمة مراقبة دير مار الياس . بدون أدنى شك إن هذا الكرملي كان الأسوأ حظاً. إن الكرملي الحافي الوحيد في المنطقة، والرهبان الآخرون هم فرنسيسكان. إنه يعيش في خرابة من إحسان وصدقة الحجاج، بعيداً عن الناس والمناطق الآهلة بالسكان. إلا أنه كالجندي في المعركة، شجاع ولا يحتاج شفقتنا أو رحمتنا عليه، رغم أنه من الممكن أن يكون ضحية الباشا في أي لحظة، أو يهاجم من قبل العرب، أو يتم استدعائه من قبل رؤسائه لكي يستبدل بآخر، وسيكون التالي غير محظوظ مثل الأخ يوليوس.

    لم يبقى الأخ يوليوس غير فعال وقتاً طويلاً، فقد كرّس وقته للرسالة في حيفا وعكا بين العرب والأوروبيين مثل: الملاحين، التجار، الحجّاج وموظفي القنصليات. فكتب عنه آربي ومانجلس:" قابلنا في مدينة حيفا  الراهب الوحيد الذي ينتمي للدير على جبل الكرمل . إنه رجل ذكّي، والذي بعد أن استقبلنا في بيته وتناولنا وجبة الفطور لديه، رافقنا إلى قمة الجبل حيث يقع ديره".

    ويزودنا جاك ميسلن بأفضل شهادة يصف فيها لطف وعاطفة الأخ العظيمة، والتي كتبت بعد وفاة الأخ يوليوس:" لم يعد حيا ذلك الراهب التقي. أقام في بيت صغير مدة أربعين سنة، يرعى رعية صغيرة ويقوم بزراعة بستان صغير. يصلي ويقدم الضيافة للحجّاج ، يهتم بالمرضى ويزودهم بالأدوية للعربي واليهودي على حدٍ سواء. لقد كان محبوباً من قبل المسيحيين وحظي باحترام المسلمين ."



    زيارة كازيني

    دير مار الياسآخيرا حقّقت رسائل الأخ يوليوس الكثيرة هدفها وأحرزت تأثيرها المرغوب . بعد هزيمة نابليون في سنة 1816 أرسل الرئيس العام إلى الأراضي المقدسة الأب يوحنا المعمدان كزيني، وهو مهندس بارع وعضو في الرهبانية. وافق كزيني أن يسافر الى جبل الكرمل ليعاين الضرر الذي حصل للدير من قبل الأتراك. فغادر روما في العشرين من شهر أيار 1816 ووصل إلى حيفا في الخامس والعشرين من شهر حزيران ولم يعرف الأب يوليوس قط عن وصوله الوشيك.
    سأل كزيني لدى وصوله عن مكان الأخ يوليوس فقيد الى بناية صغيرة مهدومة ، "كان أمامها مبنيان ومطبخ صغير في الطابق الأسفل" . عندما دخلت الدير جاء لمقابلتي رجل مرتدياً لباساً قصيراً بالياً وممزقاً وعرّف عن نفسه بأنه الأب يوليوس الرئيس على جبل الكرمل . سلَّمت عليه وبقيت معه 45 يوما... وفي الصباح التالي لوصولي صعدت مع النائب إلى جبل الكرمل .
    عاد يوحنا المعمدان كزيني إلى روما ليبلغ رؤسائه وكان قد فوّض من الرئاسة العامة أن يدفع مبلغ 15000( سكودي ) لإصلاح دير جبل الكرمل المهدوم . وفي شهر آذار سنة 1820 عندما كان في برشلونا إستلم رسالةً من الرئيس العام يأمره بها بأن يغادر في الحال إلى جبل الكرمل ويأخذ معه النقود الّتي قد جمعت .
    كتب الأب يوليوس رسالة تلو الأخرى راجيا بأن يبدأ عمل الإصلاح بأسرع ما يمكن . خلال هذا الوقت بدأ بتجميع المواد التي تحتاجها البناية في المستقبل .
    أبحر يوحنا المعمدان كزيني من جنوا في 14 من شهر كانون الأول 1820. يبدو أنه خلال رحلته، كان عبد الله ، باشا عكا، قد بدأ بهدم الدير المدمر . بينما كان يبحر داخل خليج حيفا استطاع أن يرى الانفجار الذي دمّر الدير من أساسه . في هذه الظروف لم يتمكن من إستشارة الأب يوليوس. عاد كزيني في الحال إلى أوروبا بمشروع جديد . لم يعد مهماً إصلاح الخراب وبقايا الدير بل يجب إنشاء بناء جديد على جبل الكرمل .
    في سنة 1825 رافق الأب يوليوس الأب كميلو ليسوع في حيفا. كان قد خدم كمبشر في سوريا لسنين كثيرة واكتسب معرفة اللغة العربية .
    في رسالة مؤرخة بتاريخ 10/11 من شهر تشرين الثاني 1825 استطاع الأب يوليوس إعلام رئيس عام الرهبانية بأن السفير الفرنسي للقسطنطينية نجح في الحصول على إذن من السلطان لبناء دير جديد على جبل الكرمل. فأمره بالعودة برفقة الأخ جيوستو إلى حيفا . في مسّينا انضم إليهم الأخ ماثيو البلغاري فوصل الإخوة الثلاثة إلى عكا نحو نهاية سنة 1826 .
    كان الأب يوليوس بصفته نائب الرئيس العام على جبل الكرمل ، مسؤولاً عن بناء الدير الجديد وقد تابع تقدم العمل من الدير في حيفا .
    في 14 من حزيران 1827، في عيد جسد الرب ، ترأس الاحتفال لوضع حجر الأساس . في 12 من حزيران 1836، بارك الكنيسة حارس الأراضي المقدسة الذي كان أيضا من مالطا.
     


    الرعية الحالية

 استمر عدد المسيحيين في حيفا بالازدياد مما دفعَ الأب يوليوس إلى البدء بالتسجيل الرسمي للمعمودية. سميّ هذا السجل : كتاب العمادات والتثبيت لأبرشية اللاتين في حيفا. في 15 تموز سجّل الأب يوليوس العمادة الأولى، ويعتبر هذا التاريخ، تاريخ نشأة الرعية في حيفا.
في سنة 1835 خلف الأب يوليوس الأب عمانوئيل لويجي كرئيس على جبل الكرمل . كان أمام مهمة وهي إعادة الحياة العا
 
دية إلى الدير الحالي على جبل الكرمل. هكذا استطاع الأب يوليوس تكريس نفسه كليا لرسالته في الرعية. في 1 كانون الثاني 1841 كتب الأب أوستاشيو ماريا للقديس يوسف، الرئيس على جبل الكرمل، للرئيس العام لإعلامه بوفاة الأب يوليوس : " في 6 كانون الثاني، في الساعة التاسعة مساءً، إنتقل الأب يوليوس المالطي
 
في هذا الدير إلى حياة أفضل عن عمر يُناهز ال 71 عاما ، بعد 50 سنة من الخدمة و40 سنة كمرسل . لقد أمضى فترة نذوره في دير الإبتداء في روما. توفي بعد مرض قصير تركه مرهقاُ . توفي كالمصباح الذي ينطفئ لحاجته للزيت ، بحضور الرعية التي أحبته كثيراً. كان راهباً طيباً ، يقظاً لكل شيء حتى مرضه الأخير . إهتم برعية حيفا حتى ذلك اليوم وكان أحد الآباء القلائل الذين عرفوا اللغة العربية .

الأبنية الجديدة للرعية
لقد تعرضت الكنيسة الصغيرة والدير في حيفا ، الواقع في ساحة الحمراء (المعروفة بساحة باريس) إلى تغيير في البناء مرارا طبقا لاحتياجات الرعية . في مرحلة معينة أصبح من الضروري التفكير ببناء كنيسة جديدة للرعية وديراً جديداً ليحلا محل الأبنية التي يعود تاريخها إلى عهد الأب يوحنا المعمدان للقديس ألكسيس .
دوّن في سجلات دير ستيلا ماريس في 29 آب 1864 ما يلي: " قد قرر الرهبان بالإجماع اليوم شراء أرض بين دير الراهبات وسور مدينة حيفا بالإضافة لبيت داخل السور مجاورٍ له بهدف بناء كنيسة للرعية يمكن الوصول إليها من داخل وخارج المدينة ."
في سنة 1855 بدأ كاهن رعية حيفا الأب ألبرت للقديس يوسف ببناء مدرسة الرعية للبنين . فيما بعد طلب البطريرك اللاتيني في القدس من راهبات الناصرة فتح مدرسة للبنات ، التي أقيمت في سنة 1858 . شملت الأرض التي اشتراها الكرمليون جزءًا من أملاك راهبات الناصرة ، قسماً من سور المدينة وبيتاً صغيراً داخل السور. بهدم سور المدينة أصبح من السهل على المسيحيين الذين يسكنون في خارج المدينة الوصول إلى الكنيسة الجديدة ومن بينهم الراهبات والطلاب .
في الاجتماع الديري في 19 أيلول 1865 تحت رعاية الرئيس هياسنث للحبل بلا دنس سًجلت نقطة البداية للمشروع الجديد . " وافقت الجماعة الرهبانية بالإجماع على بناء مبنى جديد للرهبان ومسكن لكاهن الرعية، في الحديقة الواقعة بين بيت الراهبات وسور المدينة مع التفكير في إقامة الكنيسة الرعوية في المستقبل ".
تقديرا للخدمة التي قُدمها الآباء الكرمليون للناس في حيفا خلال انتشار مرض الكوليرا، في سنة 1865، قدمت الحكومة الفرنسية مبلغ 1500 فرنك لبناء الدير الجديد. تمّ إعطاء هذا المبلغ في سنة 1867 قبل بدء العمل في الكنيسة الجديدة .
سبّب عدم وجود المساحة وتدهور المبنى القديم مشاكلاً للرهبان. لقد احتجّ الأخ ألبرت بأن الكنيسة والدير صغيران جداّ في حين أن الرعية تزداد بشكل سريع خاصة وأن الرعية المارونية انضمت إلى الرعية اللاتينية للعبادة بعدما فقدوا كاهن رعيتهم . وقّع الأب ألبرت وأعضاء من الرعية على إحتجاج شديد اللهجة للرئيس على جبل الكرمل ولاموه على عدم التقدم بالترتيبات والاستعدادت لبناء الكنيسة الجديدة . حثوه على الحصول من البطريرك اللاتيني في القدس فاليرجا التأكيد بأن الكنيسة الجديدة ستُستعمل ككنيسة الرعية مع أنها ستبقى ملك الرهبانية الكرملية وتحت ادارة كهنتها .
لقد أعطى البطريرك اللاتيني تفويضه لبناء الكنيسة الجديدة في 25 نيسان 1867 ، موافقا على شروط الرهبانية . في 17 تموز من السنة التالية أعلم رئيس جبل الكرمل الرهبان بأن الرئاسة العامة في روما وافقت على التخطيط لبناء كنيسة جديدة حالما يكتمل السكن الجديد في حيفا . استلم الأخ ألبرت مبلغ 30000 بياستر للبدء في البناء . في 2 كانون الثاني 1869 ، عندما كان مكتملا فقط بناء نصف الكنيسة، كان من الضروري زيادة مبلغ 20000 فرانك لإنهاء المشروع . تم بناء الكنيسة الجديدة على يد الأخ أنطون ليسوع الكرملي من إقليم جنوا في إيطاليا.
اكتملت أعمال البناء في نهاية 1870 ودشنت الكنيسة في سنة 1871 . يستطيع المبنى الجديد استيعاب 300 –400 مؤمناً. قرر الكرمليون خلال البناء شراء قطعة الأرض المجاورة التي تقع بين الدير والبحر . خوفاً من أن استعمال هذه الأرض من قبل آخرين قد يعيق العمل في الرعية والإحتفالات التي تقام في الكنيسة الجديدة.
في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر بنى الكرمليون سلسلة حوانيت على موقع الكنيسة السابقة والدير الصغير بهدف جمع أرصدة لدعم الرعية. يبدو، من السجلات الرهبانية، أن كنيسة يوحنا المعمدان للقديس ألكسيس الصغيرة المبنية في 1867 دُمّرت ما بين شهر آب 1890 وشهر تموز 1891 .

 صورة للدير ، الكنيسة والمدرسة